Review....نظرة من الأعلى

شاهدت منذ فترة قريبة فيلم أسف على الإزعاج..هذا بالمناسبة ليس نقداً للفيلم بأي شكل إيجابي أو سلبي..و لكن جذبني بداخل الفيلم فكرة بسيطة للغاية جعلتني أشرد بعده قليلاً.

فكرة الفيلم تدور حول عالم شخص يدعى حسن , الفتى مضطرب نفسياً يرى تهيؤات و إلخ .. لكن الذي يهمني في الأمر هنا , هو مشروعه الخاص ..لقد كان لحسن مشروع رائع جميل , ظل طيلة الفيلم يرسل رسائله إلى الرئيس بإعتباره اليد العليا في الدولة كلها , ليحاول إقناعه أن لديه مشروع جيد حول توفير الوقود الخاص بالطائرات لأقصى درجة ممكنة.

بالطبع إستطاع الفيلم في النهاية أن يخرج من مأزق , أن الرئيس لم يهتم للأمر, بأن جعل الرسائل لا تصل من الأساس , لكنها حيلة سيئة لنقول أن كل شيء تمام حولنا.

دعني أسأل نفسي سؤالاً.. لو كنت أنا مكان "حسن" و في عقلي مشروع جيد لإفادة البشرية .. هل سأفكر بإصرار حسن في الفيلم , أن بلدي هي الأحق أن يتم فيها المشروع ..أم سأفكر بطريقة "طارق التلمساني" حين أخبره ساخراً رداً عليه حول هذه النقطة.." و لا كأني سمعت حاجة".

تظنني مخبولاً الآن و ربما بدأت عينك في الإحمرار.. معك حق أنا نفسي لا أتخيل أن أفكر في أمر كهذا لكن الشيطان شاطر ..فقط إستمع إلي قليلاً.. و لن تخسر أكثر من خمسة دقائق.. و سأحاول الإجابة على سؤالي بنفسي, حتى لا أصيبك بالإحراج.

دعني أخبرك بقصة شخص عرفته لمدة عامين و نصف .. هو أكثر الأشخاص همة و نشاطاً , من الذين رأيتهم في حياتي كلها, لا ييأس أبداً مهما حدث له , عمل في أكثر من مجال ليس لهم أي علاقة بمجال تخصصه , رغم أنه يفخر دائماً بأنه مهندس إتصالات..إلا أنه عمل في هيئة قناة السويس لفترة , حيث الملاحة , و هناك قام بعمل خط ملاحي بحسابات رائعة , جعلت من مسار قناة السويس بعد الحرب أكثر دقة , حتى أنه قام بعمل طريقة سير حاملات الطائرات بداخل قناة السويس , و هي مهمة عسيرة للغاية لمن لا يدرك أن حاملة الطائرات قمرة القبطان فيها ناحية اليسار و ليست في منتصف السفينة مثل بقية السفن , مما يجعل الملاحة عسيرة , لكنه بذكاء إستطاع أن يصنع طريقة ملاحة خاصة لها بنسبة خطأ لا تتجاوز البضع سنتي مترات على طول القناة كلها.

بالطبع حسب قوله "كنت أظن نفسي وطنياً مخلصاً بحلي مشكلة حاملة الطائرات لم أدرك أنني خائن و عميل أسهل للأمريكان العبور لضرب العراق."

كيف كافأته الدولة بعدها .. كافأته بأن منعته من بناء مصنع إليكترونيات بعد تقاعده , لأن هذه مسألة أمن دولة , كافأته عن طريق منعه من إقامة مشروع يجعل طلبة المدارس الصناعية يعملون فترة ليلية بأجر بسيط في مقابل إخراج شرائح إليكترونية يمكن تصديرها , و توفير ملايين الملايين من الدولارات علينا ..كان يضرب كف بكف و هو يقول هل يتخيل أحد أننا لا نستطيع صنع "ستارتر Starter" الخاص بلمبات النيون.. إن الجهاز الخاص بها لا يكلف أكثر من 1500 جنيه و مساحته لا تتعدى المتر المربع , و مع هذا هو أمر محرم في البلد بأكملها .. أهي المؤامرة , شيطان المؤامرة يعبث برأسي الآن لكنني سأستعيذ بالله منه لكي لا أتهم بالبرانويا .

بالطبع هذا يرجع بذاكرتي للقصص التي قرأتها عن إبن رفعت الجمال (رأفت الهجان) الذي ترفض مصر منحه الجنسية المصرية إلى اليوم, أو عبد العاطي صائد الدبابات الذي لم يتلقى العلاج , و غيرهم كثيرين الذين تم بيعهم , لا لن أحكي تلك القصص المؤلمة فعلاً التي تصيب عيني بغرغرة الدموع من القهر.

لهذا يجب أن أعود إلى سؤالي..لو حدثت معجزة و أصبحت أنا شخصياً رجل عبقري ليس لي مثيل, ثم حدثت معجزة أكبر , و إستطعت إنهاء مشروع ما يخدم مصلحة البشرية في الحياة , ثم حدثت معجزة كارثية فعلاً , و قررت أن أعرض المشروع على الجهات العليا (رجال أعمال –سلطة – نفوذ) , ثم حدثت الطامة الكبرى و حدثت كبرى المعجزات , بأن تم الموافقة على هذا المشروع.. فماذا سيحدث بعدها؟

نعم بالضبط , سيتوقف بعد قليل و سيصيبه التآكل .. و لن يستفيد منه أحد, حتى لو حصلت أنا على أموال وافرة كثيرة كجائزتي الكبرى من أجل إختراعي , فإن الإحباط سيكمن أن حلمي الأكبر الذي بنيت من أجله المشروع لم يتحقق.. و سينتهي الأمر بقصة أوريها لأحفادي طيلة عمري.

في الحقيقة سأبحث, لو حدث أمر كهذا و جائتني مصيبة العبقرية , فسأنظر للدولة , أو الجهة التي ستتمكن من إفادة العالم أكثر بهذا ..الغربيين قل عنهم ما شئت لكن عندما سيجدوا أمراً كهذا سيدفعون الغالي و النفيس من أجله أولاً, ثم يدفعون أوقاتهم ثمناً لها ثانياً , ثم سينشرونها في العالم كله و لو بعد حين..عندها ستكون رسالتي قد وصلت .

عندها سأرسل رسالة لمسئولي الحكومة و أقول لهم بخط عريض أسف على الإزعاج يا جماعة.