Review....نظرة من الأعلى

قد لا تتخيل هذا و لكنني أقول لك بكل ثقة أن هذا الفيلم يتحدث عن البؤس و الغموض. ربما يتعارض المعنيين في ذهنك عندما نتحدث عن الأفلام , فلم يرى أحد من قبل فيلماً مأساوياً مثل Atonement مثلاً يدور في أجواء فيلم غامض من أفلام هيتشكوك . لكن بكل ثقة مرة أخرى يمكن أن يجتمع النقيضان... بشكل شيطاني ما.

من جديد يعود لنا مخرج الروائع "فرانك درابونت" ,و الذي سأفرد له مساحة وحده للحديث عنه , بفيلم أخر من تأليف كاتبه المفضل "ستيفن كينج".. ففرانك درابونت لمن لا يعرفه هو مخرج فيلمي "وداعاً شاوشينك" و "الميل الأخضر".. مما يعني أنك ستشاهد ما كتبه ستيفن كينج كما كتبه بالحرف, بل ربما أفضل, و هو أمر عسير للغاية لمن يعلم أنه لا يمكن أن يصل فيلم إلى جمال قصة مكتوبة متخيلة.

عاصفة و ضباب

يبدأ الفيلم ببساطة وسط عاصفة رعدية مخيفة تسقط الأشجار في كل مكان في إحدى قرى ولاية ستيفن كينج المفضلة دائماً "ماين" , و يخرج الأهالي, و خاصة بطل الفيلم "ديفيد درايتون" و الذي قام بدوره "توماس جين" الذي نعرفه من دوره في فيلم The Punisher , لكي يقوموا بالتبضع لشراء أدوات و أطعمة تكفيهم من أجل إصلاح البيوت المهدمة بسبب العاصفة..لهذا يكون و بسبب حظه الحسن موجوداً في سوبر ماركت صغير مع مجموعة من الناس , أثناء هبوب الضباب.

و الضباب هنا ليس ضباباً كما نعرفه ينتشر ببطيء و خفة..الضباب هنا كثيف لا ترى كف يدك فيه و ينتشر بسرعة مخيفة .. و من داخل الضباب يركض رجل عجوز مصاب يصرخ , "هناك أشياء في الضباب."

و هو ما يعني أن حياة من بداخل المتجر ستكون جحيمية كما لنا أن نتخيل. فمع تلك الأشياء التي في الضباب كيف يمكن لأحد أن يحارب ما لا يراه.

لحسن حظ البشرية أنه هناك دائماً أشخاص أذكياء في كل مكان سيمكنهم التعامل مع هذا الموقف.

و هكذا نبدأ في رؤية البشر بروية أكبر, هناك أشخاص مجانين و هناك العقلانيين , و هناك من لا نريد أن نراهم ميتين لكنهم برغم هذا يموتون ببساطة, ماذا نتوقع من فيلم رعب غير هذا؟!

لكن فيلم The Mist ليس فيلم رعب عادي , فما فيه يخيفك حقاً بصدق و بساطة لأنك من أول لحظة تشعر أن الكائنات المخيفة ليست من صنع البشر مثل بقية الأفلام من نوعية (الوحش في المنزل) , إنك تشعر أن كل شيء مترابط و صادق و موجود في الحياة.

ليس هناك رعب رخيص يجعلك تقفز من مقعدك و يدفق الإدرينالين في دماءك, لا إطلاقاً, ليس الأمر بهذه السهولة.. كما أنك لن تجد نظرية دعني أخدعك كعادة أفلام الرعب, كل شيء واقعي لدرجة أنك ستتسمر في مقعدك و لن تقفز منه طيلة فترة العرض.

أمسك "درابونت" بزمام الأحداث ببلاغة و فعالية فقد عامل الشخصيات كأنها حقيقية فعلاً لها أبعاد و ماضي و حياة مستقلة لكل شخص منهم , كل منهم له طباع مختلفة تماماً عن الأخرين لكي تستطيع أن تميز الأبطال على كثرتهم . الأحداث تمشي كأنها تسير في جدول مترقرق بلا أي محاولة للدفع أو الإجبار حتى التفسيرات رغم أنها جائت من عالم الخيال العلمي كما هو متوقع إلا أنها جائت بسيطة و لم تشعر أنها متكلفة تحاول إخجالك من جهلك. كل كلمة في موضعها.

بالطبع أقوى ما في الفيلم هو نهايته و رغم أنني مستعد أن أقطع ذراعي في مقابل ألا أسكت لكنني سأتحمل الإغراء القوي , و أصمت , لكن يكفي أن نعلم أن ستيفن كينج نفسه لم يجد للقصة عند نشرها أي مخرج أو مهرب فجعل نهايته مفتوحة تماماً للجميع , و لأن النهايات المفتوحة ليست أفضل شيء في النهايات السينيمائية , و من هذا المنطلق قام درابونت بصنع نهاية جديدة جعلت "كينج" يرقص طرباً عندما سمع بها . . و يكفي أن تعلم أيضاً أنك و لمدة ثلاثة ايام على الأقل ستظل في حالة من الصدمة لنهاية غريبة سوداوية مثل هذه..حسناً يكفي لهذا الحد حتى لا يتم وضعي على المقصلة.

التمثيل في الفيلم جاء بسيطاً سلساً لا أفتعال حتى في لحظات الصراخ.. و خاصة تمثيل "مارشيا جاي هاردن" و التي قامت بدور السيدة "كارمودي" كانت ذات أداء أصاب معدتي بالتشنج في كثير من لحظاتها .. و هو أمر غير مستغرب على ممثل رشحت للأوسكار عن فيلم Mystic River و حصلت عليها قبلها بثلاثة أعوام Pollock. و لا أنسى لوري هولدن التي يمكن أن تبكي و هي ترتجف, معها.

الآن جاءت وقت فقرتي المفضلة و هو أن أتحدث عن "درابونت" بعض الشيء.. ماذا يمكن للمرء أن يقول بإختصار عن مخرج يعد أحد أفلامه رقم 2 من أفضل 250 لموقع Imdb و هو فيلم The Shawshank Redemption , بداية هذا الرجل حينما ذهب لستيفن كينج ليحصل على حقوق إخراج قصة قصيرة من قصص كينج من أجل مشروع التخرج و كان الجميع يحاولون الحصول على القصص التي تحتوي على المناظر القوية و الصادمة الإستعراضية , في حين طلب درابونت من كينج حقوق قصة The Woman in the Room أقسم له كينج أنها مستحيلة التنفيذ إنها عن أمرأة في غيبوبة لكنه تمكن من تنفيذها بإحتراف .. و حصل كينج من درابونت على حقوق القصة بدولار واحد و هو ما كان يقوم به كينج مع الجميع لحفظ حقوقه فقط لا أكثر.

و بعد بضعة أعوام عاد إليه لكي يستأذنه أن يحول قصة ريتا هيوارث و الخلاص من شاوشينك. فأخبره أنها صعبة التحويل..فأخبره أن هذا شأنه وحده و منحه دولاراً كالعادة , و بعد ثلاث سنوات و بعد أن نسي كينج تماماً الموضوع وجد طرد به 500 ورقة ضخمة بها السيناريو الذي رأيناه في الفيلم.. كل ما فعله أن أمسك درابونت من يده و دار به على المنتجين بحماس.

لن أتحدث بالطبع عن فيلم الميل الأخضر الذي أصاب كل من شاهده بمرض البكاء لفترة طويلة.

محمد عماد حجاب

فريق العمل

توماس جين ديفيد درايتون

مارشيا جاي هاردن كارمودي

لوري هولدن أماندا دونفري

إخـــــــــــــــــراج فرانك درابونت

إعلان الفيلم